أما هذه الرسالة الموسومة بـ «أثر القرائن العلائقیة فی اتساق النص فی نهج البلاغة - خطب الحروب إنموذجا» فقد اقتضت هیكلیتها أن تكون على ثلاثة فصول تسبقها مقدمة وتمهید، وتلحقها خاتمة بمجموعة من النتائج، ومن ثم قائمة المصادر والمراجع.
تضمن التمهید تحدیدا لأهم المصطلحات والمفاهیم المتعلقة بالموضوع، منها مصطلح «النص» وتعریفاته فی ضوء الرؤى اللغویة المتنوعة، مع وقفة سریعة لمفهوم «لسانیات النص»، ومن ثم التعریف بـ «الاتساق» وأهمیته فی إظهار الوحدة النصیة وتمییزها عن غیر النصیة، مردفة ذلك بتعریف القرینة وأنواعها ووظیفتها، ممیزة فی ذلك القرائن العلائقیة وأثرها العلائقی فی السیاق النصی.
أما الفصل الأول فقد تناول أولى تلك القرائن ألا وهی «قرینة التضام» مستفتحة ذلك بـ«توطئة» تعریفیة لـ«قرینة التضام» مقسمة إیاه على مبحثین؛ تناول المبحث الأول: «التضام النحوی» العلاقات التلازمیة بین العناصر اللغویة فی الوحدات الجزئیة، ومن ثم بین تلك الوحدات الجزئیة. على حین تناول المبحث الثانی: «التضام المعجمی»، وما یحمله من علاقات معجمیة فیما بین العناصر اللغویة داخل الوحدة النصیة مشتملة على مجموعة من تلك العلاقات، کـ«التضاد والترادف والتكرار... وغیرها»، وقد راعت هذه الدراسة - بوصفها جامعة بین النحو الحدیث ولسانیات النص- ما آلت إلیه لسانیات النص التی عدّ الأصل فیه - التضام – أن یكون معجمیا، وما آل إلیه النحو الحدیث الذی عد الأصل فیه - التضام- أن یكون نحویا، وعلى وفق ذلك قسّم الفصل على مبحثین درسهما، و بیّن أثرهما فی اتساق النص.
ودرس الفصل الثانی: «قرینة الرتبة» وجاء فی مبحثین؛ تناول الأول منهما «التعریف بقرینة الرتبة، وأنواعها، وآراء العلماء فیها. على حین تناول المبحث الآخر دراسة تطبیقیة لتلك القرینة وقد عنون بـ«العدول عن أصل الرتبة وأثره فی المعنى النصی»، وقد تطلبت الدراسة ذلك الأمر؛ لأسباب عدة؛ منها: ضیق أبواب هذه القرینة، وجفاف مادتها العلمیة إذا ما قورنت بالقرینتین الأخریین؛ إذ إن الرتبة المحفوظة لا تخرج عن القواعد النحویة وضوابطها، فاقتصر الحدیث فی المبحث الثانی على ما تؤول إلیه الرتبة غیر المحفوظة من دلالات.
أما الفصل الثالث: «قرینة الربط» فقد جاء مقسما على مبحثین؛ تناول الأول منها «الربط بالإحالة» وما تتضمنه من إحالات ضمیریة وإشاریة، قبلیة وبعدیة، ولم نغفل الحدیث عن الحذف بوصفه إحالة صفریة متعلقة بالبنیة العمیقة للنص. على حین تناول المبحث الثانی: «الربط بالأدوات» ؛ إذ انتخبت فیه مجموعة من الأدوات ذات أهمیة ترابطیة.
وقد استقت الرسالة مادتها العلمیة من المصادر الحدیثة المهمة، العربیة منها و الغربیة التی أعانت الباحثة فی تسلیط الضوء على المفهومات الحدیثة المتعلقة بالنص والقرینة وغیرها ما ورد فی الرسالة، فضلا عن كتب التراث العربی النحویة والبلاغیة، وكتب التفسیر وشروح نهج البلاغة.
و لا تخلو أیة مسیرة بحثیة من صعوبات علمیة أو شخصیة، وإن تنوعت درجة الصعوبة بین القوة والضعف، وبین الكثرة والقلة، فكان أقصى ما واجهته الباحثة من انتكاسة نفسیة فی منتصف کتابتها البحث هو فقدها عزیزة علیها كان المخیم المظل لها، ألا وهو والدها الكریم، ما شكل عائقا كبیرة تسبب بمشکلات متنوعة فی كلا الجانبین «العلمی والشخصی»، وهذه تغنی عن غیرها من الصعوبات الأخر.